"لتطبيق اللامركزية الإدارية... "التيّار": لا أعداء لنا ولا حلفاء!
انقلاب سنّي بعلامة بيروتية كاملة
حتى انطلاق الاستشارات النيابية، كانت الاتصالات لا تزال مستمرة بوتيرة صاخبة بين قوى المعارضة والمستقلين والسياديين، في محاولة لتأمين أكبر قاعدة ممكنة من الأصوات لمرشح يتواءم مع روحية “خطاب القسم”. ورغم نجاح الاتفاق على اسم القاضي نواف سلام، كشخصية تحظى بتأييد واحترام شرائح سياسية واجتماعية وحقوقية وطائفية واسعة، إلا أن هذا الخيار كان يعاني نقصاً في المشروعية السنية، حيث كانت ثمة كتل نيابية تنتظر “تبيان الخيط الأبيض السعودي من الخيط الأسود”.
تشير مصادر دبلوماسية إلى أن الرياض تعمّدت ترك الأمور تمضي لمنتهاها من دون أدنى تدخل منها، تصريحاً أو تلميحاً. حتى أن سفيرها وليد البخاري، أرجأ عودته إلى بيروت. والهدف من وراء ذلك، تحويل الاستشارات النيابية إلى اختبار جدّي يمكنها من الوقوف على حقيقة تموضع القوى السياسية والكتل البرلمانية، وخصوصاً السنية، لا سيما أن أي رئيس حكومة لا يسعه تجاوزها وما تمثّل من قوة سياسية إقليمية ودولية.
وتضيف المصادر أن ما تريده السعودية واضح “وضوح الشمس في كبد النهار” منذ سنوات، وهي لا تني عن التذكير به. فهي تريد التعامل مع دولة تحترم سيادتها، وتلتزم بالمواثيق الدولية والعربية وتنفيذ الإصلاحات التي جرى التملص منها. والأهم الخروج من سياسة المحاور التي جعلت لبنان بيدقاً بيد نظام الملالي، وحوّله إلى “خنجر” في خاصرة العرب، وجمهورية “أضرحة” وصور لرموز الإرهاب في العالم، فكان الثمن عزلة ودماراً.
ومع ذلك، ورغم كل التحولات الجيوسياسية المذهلة التي يمر بها لبنان والمنطقة، إلا أن ثمة قوى سياسية لا تزال مقارباتها أسيرة توازنات وعُقَدِ “ما قبل الطوفان”، في الوقت الذي بدأ فيه عصر “ما بعد النفوذ الإيراني”. وفي طليعة هؤلاء قوى وشخصيات سنية لمّ تتخلّص من “موروث” القومية العربية التي طواها الزمن، وقوى ثانية لا تقيم وزناً للخطاب السياسي، وينحصر اهتمامها بالدائرة الانتخابية، والأدوات التي تمنحها قصب السبق لتجديد إقامتها في “ساحة النجمة” على حساب منافسيها المحليين جداً. بالإضافة إلى قوى نأت بنفسها عن القاضي نواف سلام لما يشكله من تهديد حقيقي لفرصها في الفوز بـ “عرش السراي”، بغية إتاحة الفرصة لتسويق نفسها عربياً ودولياً في الفترة الفاصلة عن الانتخابات النيابية، وأبرزها “تيار المستقبل” الذي يعتبر “السراي” حقه من التركة المادية لرفيق الحريري على حساب إرثه السياسي، ولذلك لم يدخر جهداً لعرقلة الاتفاق على اسم سلام.
تجتمع كل هذه العوامل في تشكيل آفة ضربت التمثيل السني، وجعلته على هامش المعادلات والتوازنات السياسية، فلا يكاد يُرى في عين المجتمعَين العربي والدولي. وكان خيار أكثرية السنة بالتصويت للرئيس نجيب ميقاتي البرهان الفعلي على من يقف خلف تقزيم مقام “رئاسة الحكومة”، وتحويله “بيدي لا بيد عمرو” ، من شريك دستوري في صنع القرار السياسي إلى “باش كاتب”. ومن باب التذكير، فإن ميقاتي لا يتمتع بقبول سعودي منذ أن لعب دور “الواجهة السنية” لانقلاب “حزب الله” على الشرعية عام 2011، ولا تتجاوز علاقتها معه الإطار البروتوكولي الضيق.
تشير معلومات “نداء الوطن” إلى أن “تكتل الاعتدال” كان حتى ظهر أمس منقسماً بين ميقاتي وسلام، لكنه حسم خياره “على طريق بعبدا”، على وقع التفكير بالاختبار السعودي، متماشياً مع مزاج شارعه، ومرجّحاً كفة السنة بعدما كان تصويتهم ينتمي إلى “عصر الوصايات”، الأمر الذي غير دفة المعركة، ومنح سلام “ميثاقية إسلامية”، ومشروعية سنية من مختلف المناطق والتوجهات السياسية، بعلامة سنية بيروتية كاملة.
وهكذا حصل سلام على 20 صوتاً سنياً. والمفارقة، أن بينهم 9 من أصل 11 نائباً سنياً في “عكار” و”المنية الضنية” و”طرابلس” ما شكّل ضربة قوية لميقاتي. في حين توزع الـ 7 الباقون على نائبَي “الحزب”، وزميلهما في كتلة رئيس البرلمان، والنائب جهاد الصمد، فضلاً عن النواب عبد الرحمن البزري وعبد الكريم كبارة وبلال حشيمي، الذين يظهر أنهم أساؤوا قراءة المؤشرات السياسية. وربما لو كان موعد بعض النواب والكتل السنية باكراً لفعلوا مثلهم لكن التوقيت خدمهم.
بكافة الأحوال، كانت الاستشارات النيابية المحطة الثانية في مسار التعافي الديمقراطي، حيث أظهرت من هي القوى السياسية التي يمكن الرهان عليها في مسيرة بناء الدولة واستعادتها إلى الحضن العربي، ومن هي القوى التي لا تزال تنتمي إلى ماضٍ ذهب ولن يعود.
سامر زريق - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|